البِّرُ دَيْن
نشأ سامر وترعرع واستمر في الدراسة برعاية والدته الذي بذلت الغالي والرخيص في سبيله. فكانت تعمل في الخياطة لتصرف عليه وعليها، وتمنعه من العمل ليتفرغ لدراسته. وكان سامر يشعر بتعب أمه عليه، ويخطط لرد الجميل لها بعد أن يتخرج ويتوظف كمدرس.
ولكن أمه توفيت لسوء حظه قبل أن تراه موظفاً. فحزن وبكى كثيراً عليها.
نذر سالم لله تعالىٰ أن يكون وفياً لفضل أمه عليه وباراً بها طيلة حياته. فخصص ربع راتبه للفقراء واهباً الأجر لأمه، وحرص على الدعاء لها في كل سجود من كل صلاة يؤديها. وكان يتصدق بالماء ويحفر الآبار للمحتاجين، ويضع برادات ماء في المساجد وقفاً لها. واستمر على ذلك قرابة خمس وعشرين عاماً بدون كلل أو ملل.
وفي يوم من الأيام خرج سالم للصلاة في مسجد الحي فرأى مجموعة من الرجال يركبون براد ماء في المسجد. صعق سالم وضاق صدره قائلاً لنفسه: يا الله.. كيف حصل هذا؟ لقد وضعت برادات ماء في الشرق والغرب وفاتني أن أضع واحداً في مسجد حينا.
وفيما هو يفكر، إذ بإمام المسجد يقترب منه ويقول له: جزاك الله خيراً يا أبا محمد على براد الماء.
استغرب سالم ما سمع وقال: لكنه ليس مني!
فقال الإمام: بلى إنها منك .اليوم أحضرها ابنك وقال أنها منك !
تلفت سالم حوله مذهولاً مما سمع، فرأى ابنه محمد مقبلاً عليه ويقبل يده ويقول: هذا البراد مني يا أبي، وقد نويت أجره لك.. فتقبله مني سقاك الله من أجره بسلسبيل الجنة.
فسأله أبوه: ومن أين لك ثمنها يا ولدي وأنت ما زلت في الصف الأول الثانوي ولا تعمل؟
فقال الابن: أنا أجمع مصروفي وعيدياتي منذ خمس سنوات وجميع ما أملك من نقود لأبرّ بك كما تبر بجدتي رحمها الله ولأضع لك وقفاً.
ولم يتمالك سالم نفسه من البكاء وهو يضم ابنه إليه.
صدق من قال: “البِّرُ دَيْن”.