حرق الأصابع
أحمد شاب فقير في التاسعة عشرة من عمره. وكان يعيش على الكفاف في بيت صغير على أطراف إحدى القرى. وفي مساء أحد الأيام سمع طرقاً على الباب فقام يفتحه. ولشدة دهشته وجد فتاة في مقتبل العمر وحيدة أمامه. فسألها في دهشة: من أنت؟
أجابت الفتاة بمزيج من الخجل والخوف والرجاء: أنا طالبة جئت إلى هنا مع مدرستي. ولكنهم تركوني وحدي دون أن أنتبه أو ينتبهوا، وﻻ أعرف طريق العودة.
قال أحمد: لكنك في منطقة نائية، وقريتك تقع في الطرف الآخر من هذه القرية. وهنا ﻻ يسكن أحد معي. كما لا يوجد وسيلة لإيصالك إلى بيتك بعد أن حل المساء. فإن أردت فادخلي بيتي لتقضي الليلة، وبعدها نحاول إيجاد وسيلة لإيصالك إلى بيتك في الصباح!
لم تجد الفتاة أي حال آخر غير الموافقة في هذه المنطقة النائية، فدخلت بيت أحمد. ولم يكن في البيت غير غرفة واحدة فيها سرير واحد. فأخذ قطعة قماش وعلقها بشكل يقسم الغرفة إلى قسمين أحدهما يحوي السرير، وطلب منها أن تنام هي على سريره، قائلاً أنه سينام على اﻻرض في طرف الغرفة الآخر.
استلقت الفتاة على السرير خائفة، وغطت نفسها حتى ﻻ يظهر منها أي شيء غير عينيها وأخذت تراقب الشاب وهي تتصنع النوم.
كان أحمد جالساً في طرف الغرفة يقرأ في كتاب بيده على ضوء شمعة. وفجأة أغلق الكتاب وأخذ ينظر إلى الشمعة المقابلة له. وبعد قليل وضع إصبع الإبهام على الشمعة لعدة دقائق يحرقه، والفتاة تراقبه في ذهول.
عاد أحمد يقرأ في الكتاب فترة من الوقت، وما لبث أن توقف وعاد يحرق إصبع السبابة، والفتاة تراقبه خلسة وهي تبكي بصمت وخوف. واستمر الشاب يتنقل بين القراءة وحرق أصابعه حتى أشرقت شمس اليوم التالي، والفتاة تراقبه وتبكي ظانة أنه جني يمارس طقوساً دينية. لم ينم أي منهما هذه الليلة.
في الصباح أوصل أحمد الفتاة إلى منزلها، وعاد إلى بيته. حكت الفتاة قصتها لوالديها مع الشاب، لكن اﻻب لم يصدق القصة، خصوصاً أن البنت وصلت مريضة من شدة الخوف الذي عاشت فيه.
ذهب الأب بعد أن انتصف النهار إلى بيت أحمد، وطرق الباب عليه على أنه عابر سبيل. وطلب منه أن يدله على الطريق، وأثناء سيرهما رأى الأب يد الشاب ملفوفة، فسأله عن السبب، فقال له أحمد متنهداً: لقد جاءتني بالأمس فتاة جميلة تائهة ونامت عندي، أعجبت بها، وكان الشيطان يوسوس لي للاقتراب منها، ولكنني كنت كلما اشتدت وسوسة الشيطان أقوم بحرق أحد أصابعي لأتذكر نار الآخرة وتحترق شهوة الشيطان مع إصبعي. كان التفكير بالاعتداء على الفتاة يؤلمني، أكثر من الحرق. والحمد لله أن الله سلّم.
أعجب والد الفتاة بأحمد ودعاه إلى منزله، مقترحاً عليه أن يزوجه ابنته على نفقته، دون أن يخبره بأنها هي نفسها تلك الجميلة التائهة التي حرق أصابعه كي لا يحصل عليها بالحرام.
كانت فرحة أحمد وفتاته أكبر من أن توصف عندما التقيا من جديد، فقد كانا يفوزان ببعضهما هذه المرة بالحلال وطول العمر، وليس لليلة واحدة.