عيد
في ليلة العيد، قالت أم عبد الله لزوجها:
العيد غداً يا أبا عبد الله، وليس لدى أطفالنا ملابس جديدة يلبسونها مثل بقية أطفال الجيران. وهذا بسبب إسرافك!
قال الزوج: – أنا أنفق أموالي في أعمال الخير ومساعدة المحتاجين، وهذا ليس إسرافاً يا أم عبد الله.
قالت الزوجة: أرسل لأحد أصدقائك المخلصين يعطينا بضعاً من المال، نردُّه له عندما تتحسَّن أحوالنا إن شاء الله.
كان لأبي عبدالله صديقان مخلصان، الهاشمي وأسامة. فكتب الرَّجل رسالة وأعطاها لخادمه، ليذهب بها إلى صديقه الهاشمي.
ذهب الغلام إلى الهاشمي وأعطاه الرِّسالة. فقرأها الهاشمي، وعرف أنّ صديقه في ضيق وحاجةولا يملك شيئاً. فقال للخادم:
أعرف أنّ سيّدك ينفق كل ما عنده من أموالفي أعمال الخير. خذ هذا الكيس وقل لسيِّدك إنَّ هذه الدَّنانير هي كلّ ما أملك في ليلة العيد.
عاد الخادم إلى سيِّده وأعطاه الكيس. ولما فتحه الرَّجل وجد به مائة دينار. فقال لزوجته بفرح:
يا أم عبد الله، هذه مائة دينار أرسلها الله إلينا.
سرت الزوجة وقالت لزوجها:
أسرع إلى السوقلنشتري الأثواب والأحذية الجديدة للأولاد.
في هذه اللَّحظة دقَّ الباب. فتح الرَّجل الباب فوجد خادم صديقه أسامة ومعه رسالة يطلب فيها بعض المساعدة ليدفع ديناً قد حل موعده. فأعطى الخادم الكيس الذي أرسله إليه صديقه الهاشمي وبداخله المبلغ كاملاً.
ثارت ثائرة الزَّوجة على زوجها الذي فضَّل صديقه على أولاده، فقال لها زوجها:
صديقي يطلب المساعدة، فكيف أمنع عنه ما عندي من خير؟
مرَّت ساعة والجميع في صمت، ثمَّ دق الباب مرة أخرى. ففتح الرَّجل الباب ليجد أمامه صديقه الهاشمي، فرحَّب به وأدخله.
قال الهاشميُّ: جئت أسألك عن هذا الكيس، هل هو الكيس نفسه الذي أرسلته إليك مع خادمك وبداخله مائة دينار؟
نظر الرَّجل إلى الكيس في دهشة وفال: نعم، نعم. إنَّه هو. أخبرني يا هاشمي، كيف وصل هذا الكيس إليك؟
أجاب الهاشميّ: عندما جاءني خادمك برسالتك، وأعطيته الكيس الذي عندي لم يكن في بيتي غيره، فأرسلت إلى صديقنا أسامة أطلب المساعدة. ففاجأني أسامة بان ّقدّم لي الكيس الذي أرسلته إليك كما هو، دون أن ينقص ديناراً واحداّ. فتعجَّبت وجئت إليك لأعرف السِّرَّ.
ضحك الرّجل وقال: لقد فضَّلك أسامةعلى نفسه وأعطاك الكيس، كما فضَّلتني أنت على نفسك يا هاشمي.
ابتسم الهاشمي وقال: بل أنت فضَّلت أسامة على نفسك وعيالك. ما رأيك يا أبا عبد الله في أن نقتسم المائة دينار بيننا نحن الثَّلاثة؟
أجاب الرَّجل: بارك الله فيك يا هاشمي! نعم الرأي.
سمع الخليفة بهذه الحكاية، فأمر لكلِّ واحد من الأصدقاء الثَّلاثة بألف دينار.
عندئذ دخل الرَّجل على زوجته وفي يده الدَّنانير الألف، وقال في فرح:
ما رأيك – يا أمَّ عبد الله، هل ضيَّعنا الله؟
لا والله، ما ضيَّعنا، بل زادنا رزقاً!
هل عرفت الآن – يا زوجتي – أنَّ الإنفاق في سبيل الله تجارةٌ لا تخسر أبداً؟