القبر ينتضرك
حكى أنه كان في قديم الزمان ملك يحكم أحد البلدان، وكان ذو سلطان وجاه كبير. وقبل موته أوصى الملك أبناءه وصية غريبة وهي أن لا يدفن عندما يموت في القبر ليلته الأولى، بل يدفن شخص آخر بدلاً منه. وكان الملك يعتقد أن ذلك ينجيه من فتنة القبر وسؤال الملكين وغير ذلك (باعتقاده طبعاً).
وفعلاً بعد أن مات الملك، أراد أبناءه تنفيذ الوصية فصاروا يبحثون في القصر بين الخدم والحرس والجند، على من يقبل أن يدفن بدل الملك لمدة ليلة واحدة فقط مقابل مبلغ كبير ومغرِ من المال. ولكنهم لم يجدوا من يقبل أن ينام ليلة في قبر الملك.
وبعد بحث مضنِ، سمعوا برجل فقير جداً يعمل حطاباً، ولديه 9 أبناء لا يجد ما يطعمهم ويلبسهم، ولا يملك إلا حماراً، وفأساً ومنجلاً لقطع الحطب. وطلبوا منه المبيت في القبر مقابل المبلغ الكبير، فرفض. لكنه وافق بعد أن ألحوا عليه بالطلب وضاعفوا المبلغ. وقد أقنع الحطاب نفسه بالقول “أنا حي لم أمت والملائكة لن تسألني عن أعمال الملك بل عن أعمالي أنا وأنا مازلت على قيد الحياة. وفي النهاية هي ليلة واحدة فقط، وفي الصباح الباكر يخرجونني ويعطوني المبلغ وأذهب لحال سبيلي، وأرتاح من الفقر والتعب والشقاء.
وفعلاً دفن الحطاب بدل الملك. وفي الصباح الباكر أتوه ليخرجوه من القبر ويعطوه المال. ولكن حدثت مفاجأة غير متوقعة. إذ أن الحطاب ما أن أُخرج من القبر حتى ولى هارباً يركض بسرعة غير عادية. فلحقوا به حتى أمسكوا به وأعطوه المال.
لكنه رفض أخذه، فقالوا له: لِمَ ترفض المال وهو من حقك؟
فقال: كيف آخذ المال وأنا في حياتي كلها لم أملك إلا فأساً ومنجلاً ودابة. والبارحة أتى إلي في القبر رجلان يسألاني من أول ما وضعتموني في القبر، وحتى أتيتم وفتحتم على القبر: من أين أتيت بهذا الحمار؟ وفي أي أرض يرعى حمارك؟ وهل سمح لك صاحب الأرض بذلك؟ ومن أين لك بالفأس؟ وأين وجدت المال الذي اشتريته، والمنجل أين وجدته؟ وأين تحتطب؟ وهل هو مسموح لك بأن تحتطب وتقطع الأشجار؟ وبكم تبيعه؟ ولمن تبيعه؟ وكيف تبيعه؟ وكيف ولمن وهل ولِمَ….
إذا كان كل ما أملك هو الحمار والفأس والمنجل، وقد قضيت ليلة بكاملها أُسأل عنها، فماذا سيكون حالي لو أخذت هذا المال كله. فو الله أن أكون فقيراً معدماً أرحم لي من أن أكون كملككم هذا؟