شهدت ثمانينيات القرن التاسع العشر الإرهاصات الأولى لتصميم آلة عرض للصور المتحركة، كان أكثرها تطورا آلة "كينتوسكوب" التي سجلت براءة اختراعها باسم توماس إيدسون، وهي آلة تعتمد على تطبيق قواعد عرض "الفانوس السحري" على الأفلام، وتشبه إلى حد كبير ما يعرف في الثقافة العربية بـ "صندوق الدنيا"، إذ تتسع لمشاهد واحد فقط يمكنه من خلال فتحة العرض أن يشاهد الصور المتحركة. وشهد عام 1893 أول عرض سينمائي عام باستخدام هذه الآلة وهو فيلم "Blacksmith Scene" الذي يعتبر أول إنتاجات استوديو توماس إيدسون.[1]
بعد ذلك قام الأخوان لوميير بدراسة مستفيضة لآلة إديسون، ليقوما بابتكار آلة يمكن أن تقوم بعمل الكاميرا، وآلة العرض، وآلة طبع الأفلام في وقت واحد، وقاما بتسجيلها باسم "سينماتوجراف"[2]، وهكذا ابتكرا الاسم الذي ظل فن صناعة الأفلام يحمله حتى اليوم. وفي ديسمبر/كانون الأول عام 1895 قدم الأخوان لوميير العرض الجماهيري الأول في قبو الجراند كافيه بمدينة باريس.
ومن هنا تحولت السينما من العروض الفردية إلى العروض الجماهيرية، لتصبح تجربة المشاهدة الجماعية عنصرا أصيلا في الخبرة السينمائية طوال ما يزيد عن 120 عاما، حتى تظهر شبكة نتفليكس للبث الإلكتروني وتهدد بعودة السينما إلى سيرتها الأولى، وتدفع باتجاه ثقافة المشاهدة الفردية بالمنزل، على حساب المشاهدة الجماعية بدور العرض.
في النصف الأول من شهر أبريل/نيسان الجاري تداولت وسائل الإعلام خبر انسحاب شبكة نتفليكس بأفلامها من المشاركة في الدورة 71 لمهرجان "كان" السينمائي الدولي التي تقام فعالياتها في الفترة من 11 إلى 19 مايو/أيار القادم، وهو الخبر الذي أعاد إلى السطح أزمة نتفليكس مع مهرجان "كان" في نسخة العام الماضي، وأشعل المناقشات بين المتخصصين وغير المتخصصين بشأن هذه الأزمة على خلفية الاتهامات المتبادلة بين الطرفين اللذين اتخذا من الدفاع عن فن السينما مبررا لموقفيهما المتباعدين. في هذا التقرير نرصد الأزمة من بدايتها، كما نناقش تداعياتها على فن السينما ومستقبل صناعة الأفلام.